" تومي الرضيع ! "
جلس
رجل في الأربعين من عمره على مكتبه و أنار مصباحه الصغير و تناول بهدوء
كتيب صغير احمر اللون في أحد أدراج المكتب و أخذ يقرأ بصوت خافت :
(( ليلة سوداء و شديدة الأمطار , كنت اسمع صوتا الرعد و البرق في آن واحد و
كأنه في أذني , كنت حينها في منتصف العقد الثالث من العمر , عدت إلى بيتي
في ساعة متأخرة من الليل مضطرب نوعا ما ,
قررت ان أتجول حول البيت قليلا فسمعت صوت إطلاق نار من البيت المجاور لي
على بعد ميل واحد , حاولت أن أتلصص و أرى ماذا يحدث دون أن يشعر بي احد ,
فرأيت ثلاث رجال يرتدون ملابس شتوية ثقيلة يقومون بجريمة قتل . . .!
لا اعرف ماذا افعل , ابلغ الشرطة ؟ و لكن هاتفي ليس بحوزتي , رجلان منهما
يحاولان قتلا رجل و امرأة شابة , رأيت هذه الأمراة الشابة تترجى احد هؤلاء
الرجال و هي بوضع الركوع بقولها : " من فضلك يا سيدي انا لدي طفل " و
بجوارها زوجها في نفس الوضع يتمنى بأنهم يأخذوا ما يريدون من المال و ان
يعودوا أدراجهم , فوجه الرجل المسدس نحو جبينه و قال : " أباك يرسل لك هذه
التحية " و أطلق رصاصة فأردعه قتيلا , فأنتقل إلى الزوجة و سلط المسدس
نحوها و أطلق رصاصتان فقتلها .
ثم سمعت احدهم يقول : " أين الطفل ؟ "
رد عليه الشخص الآخر بصوت ناعم كصوت النساء : " أظن انه في الأعلى "
علمت ان شخص ما قد يموت بالرغم أني أستطيع إنقاذه فسرعان ما خرجت من المنزل و تسلقت عبر الأنابيب
و استطعت الدخول عبر النافذة فرأيت طفلا ملائكي يبكي عمره لا يتعدى شهرا ,
بينما أنا اسمع خطوات رجل ما يريد قتله فحملته بين زراعي و عدت إلى حديقة
هذا المنزل عبر الأنابيب مرة أخرى و عندما وصلت قررت الهرب به فسمعت
الرجلان الآخران يقولا لبعضهما البعض : " انتبه لقد خطف الطفل لا تدعه يفلت
منك "
فأدركت أني أصبحت في مشكلة , الطقس كان قارص جدا و هذا الرضيع لن يحتمل هذا
البرد فحاولت ان أخبئه داخل معطفي بينما أنا اركض و اركض و اركض حتى أزدت
سرعتي فحاول الرجل من خلفي أطلاق النار علي و لكنه فشل و لحسن الحظ بأنها
ليلة ليست قمرية و طرق تشبه الغابات مما كنت اختبئ تارة و اركض تارة , و
لكن صوت هذا الرضيع هو ما كان يكشف مكاني , حتى وصلت إلى محطة القطار
فألتفت خلفي فمازال هذا الرجل يطاردني فقررت ان اركب و اخرج من هنا و الله
في عوني , بالفعل ركبت القطار و انطلق نحو لندن ....
كنت أتسائل من هم هولاء القوم , و لماذا قتلوا تلك العائلة بهذا الشكل ما
سر تلك العائلة؟ , و هذا الرضيع لا يكف على البكاء فرأيت سيدة حسناء تجلس
بجواري بينما هذا الطفل يصرخ و يبكي فأخفقت عليه بشدة هذه أول مرة أضع نفسي
تحت مسؤولية كهذه , فالتفت هذه السيدة وهي تنظر للطفل بحزن عميق إلي و
قالت :
" ما أمره "
لقد اخفق قلبي , ربما تتهمني بخطف هذا الطفل فقلت لها : " لا أعلم , انه لم يكف عن البكاء "
فقالت لي بهدوء : " حسنا " و مدت يداها إليه و قالت : " هل تسمح لي ؟ "
استغربت لسؤالها فقلت لها : " اسمح لكي بماذا ؟ "
ردت قائلة : " انه جائع و أنا أستطيع تدبر الأمر "
رحبت بالفكرة جدا لأنها بتأكيد على صواب فأخذته مني و أخرجت ثديها من
ملابسها على الملأ مما أصابني الإحراج و اخذ يرضع منها و يرضع و يرضع حتى
غفيّ فنام و فمه مازال معلق بثديها ,
فقالت : " حسنا ها قد انتهى " فأبعدته عنها و أدخلت ثديها مرة أخرى و مازال
بين يديها و هي تتأمل وجه بنفس نظرة الحزن قالت : " ما اسمه ؟ "
ماذا أقول لها فانا لا اعلم اسما له , فكرت بان أقول لها اسم وهمي
فقلت لها : " نعم انه تومي "
مسحت بيدها على وجه احتضنته برفق وقبلته و قالت : " اسم جميل "
ثم أضافت : " أين زوجتك ؟ "
قبل ان أرد عليها سمعت صوت صفير القطار بشدة فقلت لها : " واو ان صوته مزعج "
- " نعم انه كذلك كيف نحن في القرن العشرين و مازالت القطارات تصدر أصوات كهذه "
ثم أضافت : " زوجتك , اين هي ؟ "
فقلت لها : " للأسف لقد ماتت "
ظهر عليها الكثير من الأسى وشرد ذهنها كأنها تسترجع ذكرى أليمة عليها و قالت : " أنا آسفة حقا "
ثم أعطتني الطفل بقولها : " تفضل "
أخذته منها و بان عليه و كأنه غارق في نوم عميق فشكرتها على كل حال .
فقلت لها : " كم بقى على وصولنا الى لندن ؟ "
- " الرحلة تستغرق ساعتان و نصف تقريبا "
ثم قالت : " أين تعيش في لندن ؟ "
بالطبع كنت أفكر بأن أول عمل أقوم به عند وصولي لندن هو ان أعطي هذا الطفل الى أول ملجأ للأيتام وترك الرضيع أمامه .
فقلت لها : " لا سوف ابحث عن مأوي لي و لهذا الطفل "
قالت و هي مستغربة : " و ما الذي جعلك تترك كارديف و تسافر الى لندن "
- " ببساطة شديدة أني طردت من هنا و تركت عملي , لذلك انوي لبحث عن عمل و مأوي في مكان آخر "
و كأنها تذكرت : " اوه نسيت ان أعرفك بنفسي انا ساندرا شاين من فريزنو "
- " اوه أمريكا , و انا جورين ,, تشاد جورين "
مدت يداها كي تصافحني و انا كذلك فقالت : " ماذا كنت تعمل في كارديف ؟ "
- " يبدو بأنك لا تقرأي الصحف "
استغربت و قالت : " هل أنت صحفي "
- " نعم اكتب قصص رومانسية "
باندهاش : " واو شي مثير للاهتمام "
نظرت الى النافذة و أخذت أتأمل المناظر الريفية وسط هطول الأمطار ثم نظرت إليها مرة أخرى وقلت :
" كارديف جميلة لم أكن انوي تركها "
فرأيت من بعيد النادل يقدم المشروبات للركاب فطلبت من ساندرا :
" هل لديكي مانع أن ادعوكِ على فنجان من قهوة ؟ "
رحبت بالفكرة فطلبت من النادل فنجاني من القهوة فقدمها لنا مبتدئ بساندرا من ثم انا ,
ومازلت أتأمل المناظر التي من حولي فسمعتها تقول : " لدي استفسار غريب فضول بشأن زوجتك "
التفت إليها : " تفضلي "
- " أقصد انه واضح من عمر تومي أنها ماتت من فترة قريبة, كيف حدث ذلك وأرجو ألا أكون قد تدخلت في مالا يعنيني "
و دون ان أفكر طويلا : " لقد ماتت فى حاث سيارة "
ظهر عليها الألم العميق والدهشة و كأنني أفزعتها و قالت والدمع يزرف من عينها : " أنا آسفة مرة أخرى "
قلت لها و بيّ الكثير من الفضول كي أعرف ما قصتها هى الأخرى في تلك الليلة التى لا اعرف نهاية لها :
" لا لا عليك ما بك ما أمرك أنت ؟ "
فأخذت نفسا عميقا وتنهدت بحسرة وقالت : " لقد حدث الأمر معي منذ اقل من
أسبوع فقد فقدت زوجي و ابني الرضيع أنا الأخرى في حادث سيارة و لكني نجوت ,
بالرغم كنت أتمنى ان أموت معهم "
وصمتت برهة وشردت ثم وجدتها تضع يدها في حقيبة يده وتخرج بطاقة مدون بها
اسمها وعنوانها وأرقام هواتفها وقالت : " إذا احتاجت اى مساعدة منى فأرجوك
لا تتردد أبدا فسيسعدني ان أقدم لتومى و بالطبع أنت أي مساعدة تريدونها "
و قلت فى نفسي يالا مصادفة الأقدار فلم املك سوى ان أرد عليها قائلا : " حسنا أشكرك "
و أخذت منها البطاقة ثم أخرجت من حقيبتها كتيب صغير و أخذت تقرأ و انا على
يقين بأنها تصطنع هذا لتنهي هذا الموقف المؤلم فأخذت انا الأخر أتأمل
المناظر وسط الظلام الكالح التي من حولي حتى رأيت رجل قادم فعلمت انه
لمراجعة التذاكر فاقتربت إلي السيدة ساندرا و همست إليها : " كم تبلغ سعر
التذكرة إلى لندن "
نظرت لي باستغراب وقالت : " 37 جنية " ثم أعادت القراءة مرة أخرى
مدت يدي في جيبي كي اخرج له المال فلم أجد سوا 20 جنية فقط فقلت لنفسي بصوت واضح : " اللعنة "
التفت فجأة و قالت بهدوء : " ما الأمر ؟ "
و كأني احدهم أيقظني من نومي فقلت لها : " أسف لا شي و لكن .... لا املك ثمن التذكرة "
ظهر فجأة أمامي معاون القطار و طلب منا كي يرى تذاكر الركاب , بكل هدوء
أخرجت هذه السيدة تذكرتها و مبلغ 50 جنية و أعطته للمعاون و قالت له بهدوء :
" تفضل هذه تذكرتي و هذه أجرة تذكرتان احدهم بالغ و احدهم رضيع بالإضافة
الى الغرامة لعدم حجز تذكرة مسبقا "
فاجئني هذا التصرف منها و لم أستطيع إضافة كلمة مناسبة , عندما انصرف
المعاون التفت إلي هذه السيدة و أعطتني التذكرتان و قالت : " تفضل هذه
تذكرتك أنت و الرضيع "
تناولت التذاكر منها بحرج و قلت لها : " أشكرك جدا "
ثم أعادت انتباهها الى الكتاب الذي كانت تقرأه بينما انا حاولت انا أنام
قليلا حتى نصل الى لندن لان الطقس كان بارد جدا فغفيت حتى سمعت صوت يقول : "
سيد جورين , انهض "
استيقظت على صوت السيدة ساندرا و كان هذه اول مرة في حياتي استيقظ على صوت
إمرأة و يحمل تلك النبرة الأنثوية الناعمة , على كل حال استيقظت و أخبرتني
بأنه باقي على محطة لندن خمس دقائق فقط .
فقالت لي : " هل هناك احد في انتظارك "
قلت لها : " لا , لا احد "
و مضت الخمس دقائق المطلوبة و توقف القطار في محطة لندن و رأيت جميع الركاب
تهرول لتأخذ أمتعتها لمغادرة القطار ثم قامت ساندرا أيضا و أخذت حقيبتها
الصغيرة و رمقتني بجملة مشهورة : " أراك قريبا "
و غادرت القطار و قمت انا و الرضيع بنفس الأمر , و لكن ماذا افعل , غادرت
القطار و بقيت واقفا على رصيف المحطة فوجدت أناس على بعد يبدوا و انهم من
الأمن يركضون ناحيتي يقولون :
" أمسك بهذا الرجل الذي يحمل طفلا "
يإللهي من هؤلاء , بينما يركضون و يقتربون أكثر فأكثر , و انا جامدا لا
أتحرك حتى اقتربوا أكتر فطلب احدهم مني تحقيق شخصيتي فقلت له : " ما الأمر
أيها الظابط ؟ "
ثم قال و عيناه على الطفل : " من أين لك هذا الطفل ؟ "
" حسنا انه طفلي "
ثم رد قائلا : " و لكن منذ ساعات جاء إلينا بلاغ من كارديف باختطاف طفل رضيع و المواصفات تنطبق عليك كخاطف "
أصابني الذهول ثم قلت له : " من الذي قام بالإبلاغ ضدي "
ضحك هذا الظابط ثم قال : " انه جده يا أبله , هيا تفضل أمامي الى شرطة المحطة " ))
هنا دخل عليه إمراة جميلة شقراء ناصعة البياض و هي تحمل صينية القهوة
فقدمتها للرجل الذي يبلغ الأربعين عاما فقالت له : " ماذا تقرأ يا أبي ؟ "
رد عليها بصعوبة قائلا : " أنها مجرد قصة يا ابنتي أقرأها "
ثم وقفت و قالت : " حسنا انا في الخارج إذا احتجتني "
- " حسنا يا ساندرا "
و تركته و خرجت خارج الغرفة فأخذ رشفة من القهوة و أعاد يقرأ ما بين أيديه
(( مشيت أمام هذا الظابط و كأني متهم , قاتل , او لص و كأني كنت أتذكر تلك
الأحداث عندما يلاحقني شرطي او رجل أمن في باريس , مضينا حتى دخلنا مكتب
المحقق الذي يقع على نفس الرصيف فجلست أمامه و قال لي : " اخبرني من أين
أتيت بهذا الطفل لا تخاف لن نؤذيك "
تملهت قليلا ثم قلت له : " يا سيدي رأيت أشخاص يقتلون رجل و أمرآة و بقيّ
طفلا رضيع و لكني استطعت إنقاذ هذا الأخير و هربت به إلى محطة القطار , و
القطار أقالني الى هنا , لندن "
عين هذه المفتش ترمقني بنظرات خفية و لكن سرعان ما ضحك و علا صوته مما أثار سمع باقي أفراد الأمن
فقال : " ما هو اسمك ؟ "
قلت له بهدوء : " أنا تشاد جورين "
فطلب من احد الأفراد أن يأخذ الرضيع مني و لكني رفضت و قلت : " أريد أن أعطي الطفل إلى جده بنفسي "
رمقني المفتش نظرة تملاها سخرية فأصدر صوت همهما ثم قال : " حسنا انه في الطريق إلينا انتظر في الخارج هناك مع هذه الأفراد "
انتصبت و في يدي الرضيع فابتعدت بعيدا عنهم و بقيت منفردا في هذا الظلام و
بين الرياح الباردة التي تشبه أعاصير الثلوج , فجاء في مخيلتي الهرب و كنت
أستطيع على ذلك و لكن أثناء انتظاري أحسست بيد ناعمة أمسكت يدي , التفت
خلفي فوجدت السيدة ساندرا تقول بصوت خافت : " هيا بنا "
و أخذنا نركض بسرعة و بعيدا عن هؤلاء حتى خرجنا من المحطة و طلبت ان اركب سيارتها و بالفعل ركبتها و انطلقت بنا فورا .....
بينما هي تقود قالت : " لا تقلق أنت الآن بخير "
بينما أنا التفت خلفي من الحين إلى الأخر خشية أن يكون احدهم يتبع أثرنا .
فجأة قالت لي : " ماذا يريدون منك ؟ "
التفت إلى الخلف ثم أعدت النظر أمامي و قلت : " أنها قصة طويلة "
ثم قالت : " حسنا ...... حسنا "
في أثناء السير قلت لها : " إلى أين نحن ذاهبون "
ردت بسرعة : " إلى بيتي "
ثم توقفت سيارتها أمام بيت يشبه القصر الصغير فقالت لي : " تفضل "
نزلنا من السيارة بهدوء و دخلنا بيتها الجميل و التي تعيش به مفردها و فجأة سمعت بكاء الطفل .
فقالت لي : " هل تسمح "
بسرعة : " بتأكيد " , خلعت معطفها و أخذته مني فقلت مسرعا : " من فضلك سوف انتظرك خارج بيت الى ان تنتهي من إطعامه "
ضحكت ضحكة خفيفة و قالت : " لا أبقى أنت هنا و سوف اصعد الى غرفتي "
فصعدت الى غرفتها عبر السلالم و أخذت أتأمل البيت فرأيت بيت متواضع بالرغم
من اتساعه , قليل الأثاث , رأيت صورة لها و صورة لرجل شابا و طفل فأيقنت
أنهم عائلتها , فرأيتها قادمة بعد دقائق من بعيد و معها الرضيع فابتعدت
بعيدا عن الصورة فقالت لي : " تفضل ها هو الطفل "
و أعطتني الرضيع بحذر و رأيته لأول مرة يبتسم لي .
فقلت لها : " سيدة ساندرا أنا اعلم أني أقحمتك في مشاكل ليس لكي شأن بها
وانا اعلم ما بك من الم وحزن على عائلتك و انا اعتذر عن ذلك , و أشكرك لأنك
...... "
قاطعتني قائلة : " لا لا هذا لن يهم , أريد معرفة قصة هذا الرضيع من فضلك "
و أقصصت عليها قصتي تلك الليلة مع هذا الطفل مما أثرت انتباهها و أصبحت
متشوقة و كأني احكي لها قصة سينمائية , و عندما انتهيت قالت لي : " هكذا
اذا "
ثم وقفت و التفت إلى الوراء و قالت لي : " و ماذا سوف تفعل ؟ "
- " لا أعلم و لكن انا في حيرة من أمري , المفتش اخبرني بأن جده من قام بالبلاغ عن خطف طفل "
ثم اقتربت مني قالت لي : " و المعنى "
- " لماذا لم يصدر بلاغ بمقتل تلك العائلة "
- " أتقصد أنه من دبر تلك الحادثة "
بانبهار : " بلى "
ردت بعدم اقتناع : "لا لا , هل معقول رجل يقتل ابنه و حفيده ؟ "
- " بتأكيد هناك أمر ما "
ثم جلست على مقعدها و قالت : " أي أمر "
- " هذا الرجل قادم الآن على حسب ما قاله المفتش لي "
أصابها الاندهاش : " هل تنوي مقابلته ؟ "
- " بالتأكيد لا "
رفعت يديها و كأنها تقول وجدتها
فقلت لها : " ماذا "
- " سوف أقابله بنفسي "
- " كيف "
- " هل تعلم اسم هذا الرجل ؟ أو كنيته "
- " لا "
انتصبت بشدة و ارتدت معطفا آخر غير الذي كانت تريديه و قالت :
" أبقى أنت هنا و سوف اذهب و أتحقق لك من الأمر "
خرجت سيدة ساندرا شاين من بيتها و ركبت سيارتها و انطلقت إلى المحطة , كانت
تتلفت حولها باستمرار و لاحظت بوجود أمر على غير العادة بسبب هروب مجرم
خاطف طفل صغير .
اقتربت اكتر من قسم الشرطة في المحطة فوجدت رجل في الخمسين من العمر يجلس
أمام المفتش و يتكلم كثيرا في عصبية مبالغ فيها , و يحرك دائما يداه بعدم
الرضا و يصرخ و يقول : " كيف يهرب منك , كيف "
فرد عليه المفتش بتوتر : " لا تقلق يا سيدي , لقد نشرنا أوصافه في جميع
شوارع المدينة تقريبا , لا تقلق اقل من ساعتان سوف يكون تحت تصرفنا "
فلاحظت ساندرا بشخص من افرد الأمن يقول لها : " هل أستطيع مساعدتك يا سيدتي ؟ "
ردت عليه بكل أدب : " بالتأكيد و لكن من فضلك , ماذا يحدث هنا "
رد بسرعة : " ان هناك مشكلة , هذا الرجل الأمريكي خطف حفيده الليلة من
كارديف و الخاطف هنا في لندن و لكنه هرب فجأة مع أنثى , ... فقط و هناك
مكافاءة لمن يعثر عليه او على الطفل "
- " انت تقول انه أمريكي "
- " بلى "
- " من أين و ما اسمه ؟ "
- " اعتقد انه من كاليفورنيا , و اسمه مايكل ولترز , انه معروف جدا و ثري من أثرياء البلاد "
فسمع هذا الرجل صوت احدهم يناديه فقال لها : " المعذرة يا سيدتي " فتركها و دخل الى مكتب المفتش .
فظلت تفكر حتى رأت أمامها هذا الرجل الأمريكي أصلع يرتدي معطف بني اللون له شارب عسكري أشقر
فتقدم إليها فقالت له : " ساندرا شاين من فريزنو " فرد عليها بلهجة هادئة : " مايكل ولترز "
فجاء إليه اثنان من الواضح أنهم من أتباعه فهمس احدهم في أذانه ثم قال لها : " المعذرة علي الذهاب "
فغادر هذا الرجل مع أتباعه . . . . . .
جاءت إلي ساندرا بهذه الأخبار و غير ذلك و ذاك أتت بصحيفة بيدها و قالت لي : " احمل لك نبأ غير سار "
" مقتل رجل و زوجته و حادثة سرقة و خطف طفل لابتزاز رجل الأعمال مايكل ولترز و هروب القاتل و شريكته الى لندن "
نهضت على الفور و قلت : " انا لم اقتل احد "
مدت يداها على كتفي و قالت بهدوء : " اسمع جيدا , يجب ان تفكر كيف تخرج من
هذه الورطة , حياة طفل متعلقة برقبتك , ربما إذا أعطيت الطفل الى جده قد
يقتله او يمسه بسوء "
جلست بهدوء و بعدما تملك اليأس مني , و استمر عقلي يفكر ماذا افعل حتى قالت لي :
" ادخل استلقي قليلا و استرح و غدا سوف نتدبر ما سوف نفعله "
كانت الساعة قد قاربت الخامسة صباحا ....
.........
" تشاد .... تشاد انهض هيا "
قمت فجأة على صوت ساندرا توقظني و تقول : " هيا بنا أنهم في الجوار و قادمون إلينا "
نهضت فجأة و قلت : " من ؟؟ "
أمسكت يدأي و جذبتي إليها : " هيا "
كانت الشمس قد أشرقت أنوارها و درجة الحرارة أصبحت معتدلة قليلا عما كنا عليه أمس ,
أخذنا الرضيع و انطلقنا بحرص نحو الباب الخلفي للقصر فرأيت أشخاص يتجولون
بينما نحن نحاول الاختباء كي لا يرانا احد , فوقفت خلفي و معها الرضيع و
تحاول ان تهدئه قليلا لأنه كان يصرخ و يبكي , و لكن أطلق بعض الرجال النار
علينا فأصاب ساندرا الذعر و الرعب مما جعلها تصرخ بشدة و كذلك الرضيع الذي
تحمله , بينما نحن نحاول الاختباء منهم , فأمسكت يديها و صعدنا القصر مرة
أخرى و طلبت منها الاختباء بالرضيع دون ان يشعر بها احد . .
حاولت ان أتلصص بهدوء فرأيت احد الرجل و بسرعة واهية قضيت عليه و فقد الوعي
فأخذت السلاح منه , عدد هؤلاء الرجال لا يتعدى الخمسة أفراد , قتلت ثلاث
رجال منهم بالرصاص و هرب الأخر دون ان أصيبه و لكنه أصابني بطلقة نارية في
ساقي فكنت اعجز عن الحركة و كنت وقتها في حديقة هذا المنزل و أحاول ان اصرخ
بأعلى صوت لي كي تسمعني تلك السيدة و لكن عبث , و انا اصرخ و أتأوه و الدم
ينزف مني أكثر فأكثر حتى كاد ان يغشي علي فرأيت ساندرا تهرول و الرضيع في
أحضانها و اقتربت مني و أمسكت يدي و قالت :
" تشاد اصمد اصمد " نظرت حولها فلم تجد سوا جثث , فقالت : " هيا بنا الشرطة قادمة "
فحاولت أن أتوكأ عليها حتى ركبنا سيارتها و انطلقت بنا . .
................
ساندرا تمتلك بيتا صغير آخر في جنوب البلاد و هو يعتبر مكان أكثر أمان من السابق ..
جلست بكل هدوء على مقعدي بعدما ضمدت جرحي و هي جالسة بجواري فقالت :
" هل آن الأوان ان تقول لي من انت , و كيف قتلت هؤلاء الرجال ؟ أنت لست صحفي بالتأكيد ؟"
طقطقت رقبتي و قلت بصوت منخفض : " انا لست صحفي , انا كنت مجرما منذ ثلاث
سنين في فرنسا و لقد تمرنت على استخدام الأسلحة النارية و الركض و الهرب , و
لست متزوجا كما قلت لكي , و لكن يا ساندرا – و هنا صرخت بسبب الم الرصاصة –
انا الآن في مشكلة و يجب ان ابحث حلا لها , اخبريني ماذا افعل ؟؟ "
ردت ساندرا بهدوء : " مرحبا , يا له من شرف "
صرخت بسرعة : " لا فأنا لست كذلك "
فقالت : " لست وحدك في هذه المشكلة , ثم من هذا الرجل كي يرسل إليك قتلة مأجورين كي يقتلوك ؟ "
نظرت الى الأرض في حيرة : " لا أعلم "
ثم نظرت إليها : " و لكنهم كيف استطاعوا معرفة مكاني ؟ "
هنا تفاجئت ساندرا بهذا الكلام فقالت : " أخشى بأن يكون تبعني احد رجاله إلى بيتي ؟؟ "
فقلت لها فجأة : " يجب ان اهرب بهذا الطفل , لم استطع البقاء هنا و الشرطة و رجال هذا الأمريكي يردونني ميتا و قتل هذا الطفل "
فصرخت فجأة : " اين تومي "
ارتبكت و قالت : " في غرفتي ... في غرفتي "
و هنا اقتربت مني و جلست بجواري : " لا اعلم و لكن فكرة الهرب لن تحل المشكلة "
فقلت و كأني أحدث نفسي : " ماذا يعمل ؟ "
باستغراب : " من "
نظرت إليها : " والد هذا الطفل ؟ "
ثم قلت : " أريد ان أسافر كارديف مرة أخرى و اعلم ما قصة والده "
ردت ساندرا : " لا لا يا تشاد انها مخاطرة , ما وجه الاستفادة اذا علمت ؟ "
- " سوف اعلم لماذا أراد قتله "
- " كيف "
- " لا اعلم و لكني ابقي أنتي هنا و انا أسف لكي على المشاكل التي أقحمتك بها "
فنهضت فجأة فزاد الألم في ساقي فصرخت من شدة الألم فوقفت ساندرا أمامي تحاول ان تهدئني
فقلت لها : " لا يا سيدة ساندرا سوف أسافر اليوم , من فضلك أحضري لي تومي , الآن "
.............................
لم اكن أريد التخلي عن ساندرا بهذه الطريقة لاني أعجبت بتلك السيدة و
لمواقفها معي , ربما اذا كان حالفنا الحظ و تقابلنا في ظروف مختلفة ربما قد
تكون الأمور سلكت مجرى آخر ....
عندما غادرت البيت و الرضيع في حوزتي كنت اشعر بأن هناك رجل يلاحقني , فلقد
سلكت طريق آخر للسفر الى كادريف , لأني لم انوي الذهاب إليها عبر القطارات
و لكن عبر الحافلات و لكني مضطـّر ان امشي مسافة لا تقل عن خمس أميال كي
اصل الى موقف الحافلات التي تغادر لندن ,,
و عندما وصلت الى موقف جاء إلي رجل طويل و قال لي : " الى اين ذاهب ؟ "
للوهلة الاولى ظننته موظف هنا فقلت له : " الى كادريف "
فهمس في أذني : " أرى من الأسلم لك أن تأتي معي و إلا سيصبح مصيرك كمصير الرجال الذين قتلوا اليوم بيدك , أليس كذلك "
نظرت إليه و كأني انظر الى برج طويل , فقلت له : " ماذا تقول "
فضحك هذا الرجل و هنا أشار الى الرجل الذي كان يراقبني و طلب أخذي بسيارتهم الى مكان لم أكن اسمع به من قبل . .
......................
دخلت مبنى كبير و قد يدل بأنها شركة كبيرة و دخلت غرفة مكتب بها رجل كبير
في العمر , فأدركت انه جده كما ذكرته لي ساندرا يقف و يشاهد الشوارع عبر
الزجاج بينما أنا أقف خلفه و حولي رجلان من حراسته و بالطبع الطفل كان معي و
لحسن حظي بأنه كان نائما .
فقال احدهم إليه : " سيدي لقد جئنا بهذا الرجل و الطفل أيضا "
التفت و اقترب إلي بهدوء و لكن كان ينظر الى الرضيع بشغف و حب و حاول ان
يمسكه و لكني أبعدته عنه , فأشار الى رجلان الحراسة ان يغادرا الغرفة .
فقال لي هذا الأمريكي : " ما أمرك أيها الرجل , لماذا تقحم نفسك في مشاكل ليس لك بها شأن ؟؟ "
صرخت في وجهه : " هل أنت مجنون ؟ "
رد بكل هدوء : " لا العكس تماما , تعال اجلس "
فجلسنا كلانا في مقاعدنا و قال لي : " هذا حفيدي و هو من حقي أليس كذلك ؟"
هنا شعرت بأن كل ما تعرضت له لحماية هذا الطفل الرضيع ضاع هباء , فمد يداه بهدوء و قال :
" هيا أعطيني حفيدي هيا "
- " لا , لا أريده ان يموت "
رد باستغراب : " يموت ؟؟ لماذا ؟؟ "
- " نعم سوف تقتله كما قتلت أباه و امه "
رد بعصبية : " لا أنت غبي , اقتل من أيها الأبله ؟؟ "
ثم وقف أمامي و قال بصراخ : " هل انت مجنون هل معقول اقتل حفيدي الوحيد حتى و ان كانت امه امرأة رخيصة تبيع الهوى لمن يريد "
و هنا وقفت كي أحاول فهم ما يجري فقلت له : " ماذا ؟؟ "
- " نعم أيها الأبله , لقد أنجب ابني حفيدي من امرأة رخيصة لا قيمة لها كل ما كانت تريده هو جمع المال بأي طريقة "
- " و هل جزاءها الموت ؟ "
حدق بي و قال : " نعم الموت المحتم عليها و على الرجل الذي معها و لن أقول زوجها "
فأخذ الطفل مني دون ان اشعر و قال : " هيا اخرج من هنا و عد الى كادريف و
ازرع الفاصوليا و لا تقلق لن تبحث عنك الشرطة مرة أخرى هيا "
ثم أهملني و أخذ يداعب حفيده بعدما شعرت بأن كل أمالي ضاعت و ما حدث لي كان
أشبه بمغامرة ليست لها أهمية و نهايتها كانت سريعة جدا ...
ولكني جامدا لا أتحرك و عيني لا تكاد ان تكف عن النظر الى الطفل
فالتف إلي و صرخ : " هيا .. ماذا تنتظر "
و لكني لم أتحرك فطلب من حراسه ان يقوموا بطردي من المكتب مع ضربي اذا لزم الأمر ,
لم أنسى هذا اليوم , كنت اشعر بالألم في جميع أجزاء جسدي , بعدما طرداني في الشارع بهذا الصورة ,
و بينما انا جالس في الطرقات نظرت الى غرفة المكتب من خلال النافذة فرأيت
خيال لهذا الجد و معه الرضيع و يداعبه بيده , فاستعدت رابطة جأشي و مسحت
الأتربة من على ملابسي و ذهبت إلى بيت ساندرا فاستقبلني استقبال هادئ و
سردت لها ما حدث لي . . . .
جلست بجواري و حاولت تهدئتي بقولها : " لقد أخبرتك بأنها مخاطرة "
- " الحق معكي , انا نادم على ذلك "
- " و ما التالي ؟ "
- " سوف اقتحم بيت مايكل والترز , و اخطف الطفل منه ... "
فقاطعتني : " مهلا مهلا .... و أنت "
- " ربما اقتل , او اسجن و لكن أنتي مهمتك الاعتناء بالطفل الى أن يكبر"
- " لا لا ماذا تقول , هذا خطأ , و على كل حال لا يحق لك بأن تحرم جد من حفيده "
فصرخت و قلت : " و لكنه قاتل , قتل ابنه و زوجة ابنه "
- " تشاد , لا لا , يجب ان تذهب الى الشرطة ....... "
و قبل ان تكمل حديثها : " لا لن يصدقنا احد .... نشر في الصحيفة بأننا قتلنا عائلة و خطفا طفلا , و ... "
- " لا يوجد دلائل على ذلك , ربما مجرد اتهامات "
- " تعالي معي "
- " الى اين ؟ "
- " الى كارديف "
********************
عندما وصلنا الى كادريف عبر القطار كانت الساعة حوالي الثانية عشر ظهرا , و
اول خطوة قمنا بها زيارة مسرح الجريمة أي المنزل الذي حدثت فيه الجريمة ..
وقفت أمام المنزل و ساندرا بجواري فقلت لها : " هذا هو البيت , هذا هو "
- " نعم و لكنه هناك أشارات تمنع دخول المدنيين "
نظرت إليها و قلت : " حسنا ابقي أنتي هنا حتى يأذن لكي بالدخول "
و تركتها و مضيت سيري حتى لحقت بي و هي متعلقة بزراعي خوفا من المكان .
صعدت الى غرفة المكتب و لبست قفاز جلدي و أخذت أتفحص الأوراق بين الأدراج
فوقع بصري على ظرف مكتوب على غلافه " خاص " فتناولته بحرص و قرأت ما بداخله
بينما ساندرا تتجول في غرفة المكتب فقلت لها بصوت عالي : " لا تلمسي شياء
هنا "
فردت و قالت : " حسنا "
" أصغ إلي جيدا, في خلال يومان إذا لم تهجر تلك الرخيصة و تأتي و تعيش معي أنت و ابنك سوف ترى ما هو غير سار لك "
مرسل من مايكل والترز , سان ديغو – كاليفورنيا
فقلت لها : " هذا تهديد مباشر "
فاقتربت مني بشغف لمعرفة ما هو مكتوب , التقطته مني بسرعة , وجدت صورة على
المكتب تحمل الأب و الأم و الطفل بين أحضانهم , فأخذت هذا الظرف و الصورة و
انطلقت إلي بيتي الذي يبتعد ميل واحد على الأقل , و عندما استقرت حالتنا
وجهت إلي سؤال منطقي : " ما التالي ؟ "
نظرت إليها في يأس : " لقد اتصلت بمحقق كنت اعرفه , و هو قادم الآن "
- " و هل تثق به ؟ "
- " نعم "
لم يمض على حديثتا لحظات حتى جاء المحقق جوني الذي اشتهر دائما بالقبض علي
في فرنسا و عندما قررت الابتعاد عن الأعمال السيئة وصل جوني الى كارديف منذ
أعوام قليلة و يعرف شديد المعرفة بأني ابتعد عن المشاكل و إيذاء الآخرين و
اتجهت لإنشاء حياة سليمة ..
ً
- " المحقق جوني تفضل "
دخل جوني بهدوء و خلع معطفه و جلس أمامي بينما ساندرا اختفت من هذا الحديث
فشرحت له القصة فقال لي : " هذا الخطاب لن يكون دليل لإدانة هذا الرجل ,
انه مجرد تهديد , سوف استدعيه للتحقيق و لكن لم نستفيد لأنه بالطبع سوف
ينفي وجوده لان كما قلت بأن رجال هم من قاموا بتلك الجريمة "
- " اسمع جيدا يا أيها المحقق جوني , انا أريد معاقبة هذا الرجل بتهمة
القتل , ولا أريد ان يربى الطفل معه , انا لم أجد أي أوراق او مستندات او
حتى جوازات مرور في مكتبه , من فضلك .. "
- " لا اعلم ليس لدي طريقة حاليا , و غير ذلك تم القبض على من فعل تلك الفعلة بهذه العائلة و اعترف "
فقلت له بيأس : " و القضية أغلقت "
- " بلى "
- " انا أسف لا أستطيع مساعدتك "
شعرت بأن لا أمل لي في ذلك لذلك قررت خطف الطفل ,,,
لذلك سافرنا انا و ساندرا الى لندن مرة آخرى و طلبت منها ان تبقي في بيتها و
تمارس حياتها بشكل عادي جدا , استأجرت غرفة صغيرة بالقرب من منزل مايكل
والترز و أصبحت أراقب جميع تحركات ذلك الرجل منذ ان يستيقظ من نومه الى ان
يذهب الى فراشه و تم ذلك على مدار شهرا كاملا .
حتى سنحت لي الفرصة , فهو كل يوم ثلاثاء عند الظهيرة يتواجد في حديقة مع الرضيع بدون حراسة .
فذهبت الى قصرها الصغير و قد مضى شهرا دون ان أراها , فعرضت عليها الزواج ,
عندما سمعت تلك الكلمات مني ذهلت و لم تستطيع الإجابة بنعم او لا ...
- " ساندرا اريد مساعدتك , سوف أقوم بخطف الطفل من جده و أريده يبقى معكي و يربى معكي و أريد عندما يكبر يناديك بأمي "
أزرفت بعض الدموع من عيناها و لم تستطيع ان تتكلم او إضافة عبارة أخرى , فقلت لها :
" لا تقلقي لن أبقى في السجن طويلا "
و عندما هممت للخروج أمسك يداي و الدموع تتساقط على وجنتيها و قالت : " إلى أين "
- " تعالي معي كي أتزوجك و سوف اقضي الليلة معكي و غدا سوف أنفذ ما أريده "
تزوجت ساندرا و قضيت الليل بأكمله برفقتها و ها هو يوم الثلاثاء , استيقظت
عند الساعة العاشرة صباحا و قمت بتجهيز العدة ثم انطلقنا بسيارتها حيث
أستطيع رؤية مايكل و الطفل سويا , ثم التفتت إليها و أعطيتها مفتاحا و قلت
لها : " ساندرا هذا مفتاح بيتي في كارديف , خذي الطفل إلى هناك و اعتني به
جيدا و لا تدعي كائن حي ان يقترب منه "
- " حسنا "
- " اتصلي بهذا الرقم كما أخبرتك و حاولي بقدر المستطاع ان تتحدثي معه الى ان انهي ما أريده "
نزلت من السيارة و ارتديت قبعة كي تخفي معالم وجهي , و اقتربت من مايكل و
جلست بجواره في الحديقة , حتى جاءه اتصال من ساندرا كما طلبت منها و بكل
هدوء أبعد الرضيع جانبا و قام بالرد على هاتفه و كذلك أصبحت الفرصة للخطف
اكبر بكثير , أمددت يدي نحوه بهدوء و التقطته بسرعة و ركضت نحو السيارة
بينما قامت ساندرا بفتح باب السيارة كي اركب و لكني لم استطع ...
شعرت بطلق نار أصاب كتفي و ساقي مما سقطت على الأرض و لكن لحسن الحظ التقطت
ساندرا الطفل و انطلقت به بسرعة البرق , بينما انا وقعت بين يدي حراسة ذلك
المعتوه و ابرحوني ضربا حتى فقدت الوعي تماما و لم اعد قادر على التميز
اذا كنت على قيد الحياة ام لا , طاقم الحراسة لم يكن في الحسبان , لان يوم
الثلاثاء تبقى الحراسة بعيدا عن مايكل والترز تماما كي يقضي وقتا ممتعا مع
حفيده . . . .
تم إلقاء القبض علي و تسليمي الى شرطة المدينة بتهمة الخطف , و تم الحكم علي بـخمس سنوات أو إلى ان اعترف بمأوي الطفل .
مضى ثلاث سنوات دون ان يصلني أي أخبار عن ساندرا و ماذا حدث بها و لكني
متأكد بأنها بخير , لان من الحين الى الأخر يرسل مايكل والترز أشخاص من
طرفه ليعرض علي مبلغ من المال مقابل الطفل و في كل مرة كنت ارفض هذا العرض
الرخيص ...
و في يوم جاءت ساندرا تطلب زيارتي و عندها فقط شعرت أن الثلاث سنوات
السابقة مضت و كأنها ثلاث أيام فقط لاني رأيتها أمامي , سافرت ساندرا و
الطفل الى أهلها في فريزنو و بقى الطفل معهم بينما جاءت ساندرا الى لندن
للاطمئنان علي و حينها فقط شعرت بأني أتممت الرسالة التي كلفت نفسي بها . .
بعد ذلك بشهور كان ضيفنا التالي هو مايكل والترز بتهمة القتل العمد لأبنه و
زوجة ابنه , فأنا لا اعلم ما هي الدلائل الجديدة و لكن ها هنا لقد اتى
لزيارتنا مدى الحياة . . .
دارت بيننا أحاديث كثيرة جدا جدا جدا و جميعها كانت تنتهي بمشاجرة , و في ذات مرة سألته : " ما اسمه "
- " من "
- " الطفل ؟"
من شدة قسوته لم يخبرني بذلك خشيا بأننا قد نرثه بعد موته و لكن هذا لم يكن
في نيتي أبدا , كل ما في الأمر ان أريد تسمية الطفل كما سماه أباه و امه
.. . .
و مع ذلك و مع قسوة قلبه كنت انا أفضل منه دائما , فطلبت من ساندرا ان تسمح
لجده ان يرى حفيده قد لا يراه مرة أخرى , فوافقت ساندرا و تقبلت الأمر
بصدر رحب . . .
بعد شهور قتل مايكل والترز شنقا في سجنه و لكن ألصقت التهمة بي بدون شك , فرفع القاضي الحكم الى عشرون عاما . . . .
و قبل ان يتم الإفراج عني قمت بكتابة تلك الأحداث في كتيب صغير احمر اللون ,
و عندما خرجت من السجن عن عمر ينهاز الخمسة و خمسون عاما كان تومي قد كبر
مع أمه و أصبح شابا يافعا و قد اقترب على إنهاء دراسته الثانوية و قرر دخول
كلية الطب في لندن ..
فإذا كنت تقرأ الآن , فهذه قصة حياتك و هذا ما حدث و انا لم اقتل جدك كما
ادعى الآخرون و أريد منك ان تعذرني لأني لم أمنحك الاسم الحقيقي الذي
تستحقه كي تتصرف في أموال جدك كما تريد لأني لم اعرفه , و لكن يؤسفني حقا و
كنت قد أتمنى ان أكون لك الأب الذي عندما تريده تجده , و لكن مضيت قرابة
عشرون عاما في السجن و ثلاثة خارجه فلم أستطيع ان أكون الأب الذي يرعى ابنه
. . .
تشاد جورين , ,,,,, ))
و هنا أغلق الكتيب و وضعه أمامه على المكتب و أخرج صورة عائلية تجمعهم هما
الثلاثة و لكن عندما كان تومي شابا فقال : " انك أب عظيم أشكرك على ما
فعلته لأجلي لا أريد مالا و لكني أريد عائلة عظيمة "
و هنا دخلت سيدة و هي زوجته و جلست أمامه و قالت : " عندما دخلت لم تخرج منذ ثلاث ساعات "
فنظر إليها و قال : " لا شيء كنت أقراء قصة و تأثرت بها و كأني احد إبطالها "
و لكنها لم تبالي فقالت : " حسنا أريد منك 500 جنية لشراء بعض احتياجات المنزل "
ارتبك في بادئ الأمر لأنه من الطبقة اقل قليلا من الطبقة المتوسطة فقال : " حسنا .. حسنا "
تمت بعون الله